تطوان تتزين احتفاء بعيد العرش

تحولت مدينة تطوان، مساء أمس (الأربعاء)، إلى مسرح مفتوح للاحتفال والبهجة، وهي تزدان بألوان الفخر والولاء، في أمسية استثنائية احتفاء بالذكرى السادسة والعشرين لاعتلاء الملك محمد السادس عرش أسلافه المنعمين. فمن ساحة المشور، أمام القصر الملكي العامر، انطلقت الاحتفالات الرسمية بعرض مهيب للطواف بالمشاعل، تخللته لوحات موسيقية وعسكرية أبهرت الجماهير التي غصّت بها شوارع المدينة.

وقد استهلّ العرض بتقديم فني منظم لفرق الحرس الملكي، جمع بين الدقة العسكرية وجمالية الأداء. مشاة وخيالة وحملة مشاعل، كلهم ساروا بخطى متناسقة، تنبعث منها رمزية الانضباط وروح الانتماء، على أنغام عزف بديع أبدع في أدائه الجوق السيمفوني الملكي، الذي أضفى على الاحتفال طابعًا فنيًا راقيًا يزاوج بين الأصالة والمعاصرة.

واصطف المواطنون من مختلف الأعمار على جنبات شارع محمد الخامس، متشوقين لمواكبة هذا الحدث البصري والسمعي الفريد، الذي أضاء سماء الحمامة البيضاء، وأعاد إلى الأذهان مشاهد من أمجاد الوطن وتقاليده العريقة في تخليد المناسبات الوطنية.

فالأغاني التي صدحت بها الفرق الموسيقية لم تكن مجرد نوتات عابرة، بل كانت دعوة صريحة لاستحضار مشاعر الفخر والتلاحم الوطني، حيث تعالت الحناجر مرددة “نداء الحسن” وغيرها من الأغاني الخالدة، في لحظة اندماج شعبي قلّ نظيرها.

ولم يقتصر العرض على تشكيلات الحرس الملكي فقط، بل ساهمت فيه أيضًا تشكيلتان موسيقيتان تابعتان للدرك الملكي والبحرية الملكية، أمتعتا الجمهور بعزف وطني صادق، لقي تجاوبًا منقطع النظير، حيث غنى الحاضرون معها من القلب، وكأنها لحظة تعميد جديدة للوفاء بالعهد مع الوطن والعرش.

ومع حلول الليل، ازدادت المدينة تألقًا، حين بدأت الشهب الاصطناعية تزيّن السماء بألوانها الزاهية، في عرض ناري احترافي حوّل ليل تطوان إلى لوحة فنية تنبض بالحياة. ارتفعت الأعين إلى السماء، وصفّق الحاضرون بحرارة مع كل انفجار ضوئي يملأ الأفق فرحًا وبهجة، وكأن السماء بدورها تحتفل بهذا الحدث الوطني العظيم.

أما مسك ختام هذه الليلة البهية، فقد كان من نصيب الجوق السيمفوني الملكي، الذي قدّم عرضًا موسيقيًا راقيًا بساحة مولاي المهدي. سهرة فنية راقية تنقّلت بالجمهور بين مقطوعات الجاز الكلاسيكية ومؤلفات معاصرة أُعيد توزيعها بروح مغربية مبدعة، أظهرت براعة العازفين وذوقهم الرفيع، وأكدت أن الموسيقى كانت وما تزال لغة قادرة على ترجمة مشاعر الفخر والانتماء بأرقى الأساليب.

في نهاية المطاف، لم تكن هذه الليلة مجرد احتفال رسمي بعيد العرش، بل كانت تجليًا حيًا لقيم الوفاء والاعتزاز بالتاريخ الوطني، وجسرًا رمزيًا بين الماضي والحاضر، بين الجذور والطموح. وقد أكدت مدينة تطوان، مرة أخرى، أنها قادرة على احتضان لحظات الفرح الوطني بكل وقار واحترافية، وأنها، ككل ربوع الوطن، باقية على العهد، مجددة الولاء، وراعية لروح الأمة المغربية الأصيلة.

Comments (0)
Add Comment