افتتاحية.. يد الملك الممدودة

مرة أخرى، وفي لحظة وطنية بليغة، أطلق الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير دعوة واضحة وصريحة: يد المغرب مازالت ممدودة إلى الجزائر. إنها ليست جملة عابرة، بل إشارة متكررة باتت تشكّل الثابت الوحيد في علاقة متقلبة، تتأرجح بين القطيعة الرسمية والانغلاق الممنهج.

الملك لا يوجه الرسائل من فراغ. فمنذ سنة 2008، ظل يُلِحّ، في أكثر من خطاب، على تجاوز الخلافات الظرفية وفتح قنوات الحوار بين الرباط والجزائر. لكن منذ 2021، أصبحت هذه الدعوة تحمل إلحاحًا مضاعفًا، وكأنها تنطق باسم شعبين يعرفان يقينا أن ما يجمع بينهما أكثر بكثير مما يفرّق.

الخطاب الملكي، وهو يعبّر عن سياسة دولة، يُعيد ترسيخ النهج المغربي في التعاطي مع الأزمة الثنائية: التهدئة، الوضوح، الصبر الاستراتيجي، ورفض الانجرار إلى التصعيد الكلامي أو الانغلاق السياسي. وهذا في حد ذاته، موقف سياسي بقدر ما هو موقف أخلاقي.

لكن اليد الممدودة، وهي ممتدة منذ سنين، لم تجد في الجهة المقابلة سوى أبواب مغلقة وجدران صمت بارد. الجزائر الرسمية مازالت تختبئ خلف خطاب عدائي عقيم، وتتهم المغرب بكل شيء، من حرائق الغابات إلى الأزمات الإقليمية، دون أن تقبل حتى بفتح حوار مباشر. بل إن قرارها الانفرادي في غشت 2021 بقطع العلاقات الدبلوماسية، وتعليق أنبوب الغاز، وغلق الأجواء، جاء كإعلان طلاق أحادي الجانب، بلا مبرر حقيقي، ولا أفق سياسي.

في المقابل، ظل المغرب متمسكًا بلغة الدولة العاقلة، يرفض التدخل في الشأن الداخلي للجزائر، ويدعو إلى إعادة بناء اتحاد مغاربي واقعي. وهذه السياسة الهادئة لا تنطلق من ضعف، بل من وعي استراتيجي بأن استقرار الجوار هو من مصلحة الجميع، وأن شعبيْ البلدين يستحقان علاقات طبيعية تحترم التاريخ والجغرافيا والمستقبل المشترك.

وليس صدفة أن يتقاطع هذا الموقف المغربي مع مضامين القرارات الأممية الأخيرة، وخاصة تلك الصادرة عن مجلس الأمن بشأن قضية الصحراء المغربية، والتي تُشدد على ضرورة التوصل إلى حل سياسي واقعي، عملي، ودائم، مبني على التوافق، ويرضي جميع الأطراف. وهو ما يضع الجزائر في قلب المعادلة، لا باعتبارها جارًا فقط، بل طرفًا معنيًا مباشرة بمسار التسوية.

حين يؤكد المغرب على يده الممدودة، فإنه لا يفعل ذلك فقط من باب المجاملة السياسية، بل من باب الالتزام بالمسار الأممي والشرعية الدولية. ومن هذا المنظور، فإن أي حوار حقيقي بين المغرب والجزائر، لن يكون فقط مدخلًا لإنهاء القطيعة، بل شرطا لتقوية أفق الحل السياسي النهائي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل.

في ظل هذا السياق، يصبح التساؤل مشروعا: إلى متى ستستمر الجزائر في الهروب إلى الأمام؟ وإلى متى ستبقى تتنصل من التزاماتها الدولية، بينما تقف القرارات الأممية على مسافة أقرب من الطرح المغربي، وتدعو بصوت واضح إلى تسوية واقعية، بعيدة عن منطق الانفصال؟

الجزائر اليوم تقف أمام مفترق حقيقي: إما الاستمرار في توظيف العداء ضد المغرب كأداة داخلية وخارجية، أو الانفتاح بشجاعة ومسؤولية على حوار حقيقي، خارج منطق الهيمنة والحسابات الأيديولوجية الباردة. أما المغرب، فقد حسم موقفه: اليد ستبقى ممدودة، لكن الوجهة لن تتغير.

Comments (0)
Add Comment