انتخابات “الكِبار”.. ما جدوى الغرفة الثانية؟
تكرار مهام مجلس النواب بتعويضات وامتيازات بالملايير
مرة أخرى يعود سؤال الجدوى ليَطرح نفسه بقوة حول إحداث مجلس المستشارين، وأهميته في التشريع والرقابة. المناسبة هذه المرة إعلان نتائج انتخابات المستشارين، التي أجريت يوم 05 أكتوبر، ولم تخلُ من مفاجآت.
ورغم الحجج الكثيرة التي يقدمها المترافعون من أجل إلغاء الغرفة الثانية للبرلمان، التي تستحضر حجم التعويضات والامتيازات التي يستنزفها المستشارون ومكتب المجلس، وتعطيله الزمن التشريعي، وغيرها من النواقص، إلا أن التشبث بمجلس المستشارين مازال قائما.
مفاجآت 5 أكتوبر
أولى المفاجآت، فوز حزب العدالة والتنمية بثلاثة مقاعد في الغرفة الثانية، بحصيلة أصوات تجاوزت عدد أصوات مستشاريه بأضعاف، ما كشف تصويت مستشاري أحزاب الأغلبية الحكومية على مرشحي “البيجيدي”، دون أن يكون هناك أي تحالف ينظم العلاقة بين الطرفين.
حزب العدالة والتنمية لم يستسغ حصوله على المقاعد الثلاثة واعتبر أنها غير مستحقة. وعبرت أمانته العامة عن عدم اهتمامها بهذه المقاعد، داعية المترشحين الثلاثة إلى تقديم استقالتهم وفق المساطر القانونية، ما يطرح أسئلة بشأن مُوجه مستشاري الأحزاب الأخرى للتصويت لصالح حزب “المصباح”، وحول الغاية من ذلك، خصوصا أن أحزاب الأغلبية بذلت مجهودات كبيرة لإسقاطه من السيطرة على المشهد السياسي خلال انتخابات الثامن من شتنبر.
المال لشراء الأًصوات
وإذا كانت الاتهامات بتوظيف المال في الانتخابات، طالت أحزاب سياسية خلال الانتخابات الجماعية والتشريعية والجهوية، فإن انتخابات “الناخبين الكبار” بدورها لم تخل منها أيضا، إلى درجة أصبح هناك تعميم على أن أغلب الممثلين في الغرفة الثانية استخدموا المال للحصول على مقاعدهم.
وحول ذلك أكد حزب التقدم والاشتراكية، الذي لم يحصل على أي مقعد في انتخابات مجلس المستشارين، رغم تجاوزه حزب العدالة والتنمية وفق ترتيب انتخابات 8 شتنبر، أن هذه الاستحقاقات شهدت مُمارساتٍ مُسيئة، بشكلٍ كبير، للمسار الديموقراطي في بلادنا، أثناء الحملة الانتخابية وعملية التصويت ومُسلسل إعلان النتائج، واستعمالٍ فاضح ومُفرطٍ للمال، بشكلٍ مُناف للقانون وللأخلاق وللالتزام السياسي، ولأبسط شروط التنافس الحر والنزيه والمُتكافئ.
وتساءل المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، في البلاغ نفسه، حول الجدوى الفعلية من وجود مجلس المستشارين في الهرم الدستوري الوطني، وحول أدواره السياسية ووظائفه المؤسساتية، مضيفا أن هذا الموقف ينطلق من تساؤلات عميقة ووجيهة تتصل بتركيبة هذا المجلس، وبطريقة انتخاب أعضائه، والتي يتعين إعادة النظر فيها بشكل عميق في حالة الاحتفاظ به.
سؤال الجدوى من جديد
منذ إعادة العمل بنظام الغرفتين في البرلمان، قبيل تجربة التناوب التوافقي، لم تنقطع الأسئلة حول جدوى هذه الغرفة، التي مازال كثيرون يعتبرونها تثقل المسار التشريعي في البلاد، وتشكل عبءا على الهرم المؤسساتي، وتستنزف ميزانيات مهمة تصرف على تعويضات الرئيس والمكتب والمستشارين وغيرها، إضافة إلى تكريس انتخاباتها واقعا غير ديمقراطي، عبر استعمال المال في شراء الأصوات.
وبينما يشير مراقبون إلى أن الغاية من خلق مجلس المستشارين أو “مجلس الحكماء” كانت خلق توازن تشريعي وسياسي، حتى لا ينزلق العمل البرلماني عن أهدافه ويؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها، خصوصا أن عودة الغرفة الثانية تزامنت مع صعود المعارضة إلى قيادة الحكومة بعد عشرات السنين من الصراع السياسي، تشير تقديرات إلى أن هذه الغاية لم تعد قائمة اليوم، ما يتوجب معه إلغاء مجلس المستشارين والاكتفاء بغرفة واحدة تنتخب عن طريق الاقتراع العام المباشر.
في المقابل، هناك من يدافع عن ضرورة استمرار هذه الغرفة، على اعتبار أنها تساهم في التشريع واقتراح القوانين، كما أن الدستور الجديد منحها صلاحيات رئيسية، ومكانة معتبرة وسط المؤسسات الدستورية، إضافة إلى مساهمتها في الرقابة على الحكومة وغيرها. إلا أن هذه الصلاحيات بدورها يُوضع بشأنها السؤال، فهي نفسها التي يتوفر عليها مجلس النواب، ما يطرح إشكالية تكرار الأسئلة في الغرفتين وإعادة النقاش من طرف الحكومة في الغرفتين، ما يشكل ضياعا للزمن السياسي.
تعويضات وامتيازات تنهك الميزانية
تثير التعويضات التي يستفيد منها أعضاء ورئيس مجلس المستشارين والمكتب المسير له انتقادات كبيرة. فالمستشارون البرلمانيون يحصلون على تعويض شهري يقدر بـ 36 ألف درهم، كما صرف حكيم بنشماش، رئيس المجلس خلال الولاية المنتهية، تعويضا بـ 800 درهم عن كل حضور في اجتماعات اللجان والجلسات العامة، وصرف ميزانية مهمة على إدخال نظام تصويت تكنولوجي يمكن المستشارين من التصويت بمنازلهم، غير أن نسب الغياب عن الجلسات ظلت مرتفعة.
سيارات المستشارين تستهلك هي الأخرى ميزانية ضخمة، فالغرفة الثانية تخصص لحظيرة السيارات التي يحتكرها أعضاء المكتب ما يناهز 100 مليون سنتيم مخصصة للصيانة والإصلاح، و150 مليون سنتيم مصاريف الوقود والزيوت، و35 مليونا لتأمين السيارات والسائقين، و6 ملايين سنتيم لأداء الرسم السنوي الخاص بالعربات الآلية، و11 مليون سنتيم لشراء تذاكر الطريق السيار، إضافة إلى مصاريف أخرى.
المجلس ذاته يستنزف ميزانية كبيرة في السفريات إلى الخارج، التي تكلف المجلس مليار و530 مليون سنتيم سنويا، منها 490 مليون سنتيم تصرف على نقل المستشارين والموظفين إلى الخارج، و120 مليون سنتيم تعويضات يومية للمشاركين في المهام بالخارج، و120 مليون سنتيم لكراء السيارات، و330 مليون سنتيم مصاريف الإيواء والفنادق، إضافة إلى 70 مليون سنتيم هدايا وفود أجنبية.
وينضاف إلى ما سبق، تنظيم الحفلات واللقاءات الباذخة من المال العام، وإبرام العديد من الصفقات “المشبوهة”، إضافة إلى لائحة توظيفات داخل المجلس، همت أبناء أعضاء المكتب، وملفات الموظفين الأشباح وتعويضات السكن وغيرها.
الإلغاء.. مشروعية الترافع
تطرح المعطيات السابقة سؤال الحاجة إلى مجلس يستهلك ميزانيات طائلة من المال العام، دون أن يقدم أي إضافات تشريعية أو سياسية، ذلك أن أغلب مهامه والأسئلة التي يطرحها على الحكومة، تعد تكرارا لمهام مجلس النواب.
بالإضافة إلى ذلك، فالولايات التشريعية السابقة، أبرزت أن مجلس المستشارين، عوض أن يساهم في تسريع وتجويد الزمن التشريعي يساهم في هدره، ما يجعل ترافع بعض السياسيين والمهتمين من أجل ضرورة الاكتفاء بغرفة واحدة مشروعا.