برنامج حكومي بدون تمويل.. التزام أم دعاية؟

حكومة أخنوش تسقط في التناقض

رغم حصولها على ثقة البرلمان، لم تنجح حكومة عزيز أخنوش، في مدّ جسور الثقة مع المعارضة، بعد تقديم البرنامج الحكومي، الذي كشف التزامات حكومية، ستباشر تنفيذها خلال الولاية الحالية، لكن بأي تمويل؟

بياض في البرنامج الحكومي

في الوقت الذي رحّب البعض بـ “الالتزامات العشر” التي أعلنها عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، انتقد آخرون ما سمّوه “بياضا” تركه البرنامج الحكومي، منه على وجه الخصوص، التدقيق في الجانب المتعلق بتمويل هذه الالتزامات، بالنظر إلى أنها تتطلب ميزانيات ضخمة، لم تُبين الحكومة سبل تأمينها.

غياب الإشارة المفصلة إلى التمويلات أثار انتقادات لاذعة، ذهبت إلى أن البرنامج الحكومي طغى عليه الأسلوب الدعائي، وشكل امتدادا للحملة الانتخابية، كما أثار تخوفات حول ما إذا كانت الحكومة ستلجأ إلى الرفع من الضرائب، أو إلغاء الدعم عن المواد الأساسية، في ظل غياب إشارات مقنعة في التصريح الحكومي لأخنوش في البرلمان.

البرنامج الحكومي المرتكز على ثلاثة محاور استراتيجية، تتمثل في تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية، وتحفيز الاقتصاد الوطني لفائدة التشغيل، وتكريس الحكامة الجيدة في التدبير العمومي، محددا عشرة التزامات كبرى، افتقد المعطيات والأرقام، إلى جانب التناقض الذي بيّن بعض نقاطه، وفق متابعين.

برنامج أم تصريح؟

تسبب غياب الإشارة إلى التمويلات الكفيلة بتنزيل الالتزامات الحكومية في التباس بين مفهوم التصريح الحكومي والبرنامج الحكومي، ما أجاب عنه أحمد جزولي، الخبير في الحكامة الديمقراطية والسياسات العمومية، الذي أكد أن ما تقدمت به الحكومة أمام مجلسي النواب والمستشارين هو تصريح وليس برنامج حكومي بالمعنى الدقيق للكلمة.

وأوضح جزولي أن إلزام الحكومات بتقديم تصريح، تم من خلال دستور 1992، قبل أن يتم بداية من دستور 1996 إلزامها بتقديم البرنامج الحكومي، مضيفا أن المشرّع لم يحدد ما هو هذا البرنامج الحكومي، لكن من العناصر الأساسية لأي برنامج، أن يتضمن رصدا للواقع، وأن يقترح الحلول، من خلال عدد من البرامج والمحاور، ثم ذكر التمويل الخاص بمختلف هذه المحاور والبرامج.

وأضاف الخبير في السياسات العامة، أن المسألة الأخيرة غابت عن الحكومة، لأن هناك استمرار لنفس النهج في التعامل مع موضوع السياسات العامة، إذ نادرا ما نجد الغلاف المالي حاضرا في إعداد المشاريع والبرامج. بالإضافة إلى ذلك، تغيب السياسة الخاصة بتنمية موارد الخزينة، إذ من النواقص الموجودة في السياسات العمومية المغربية، تغييب استراتيجية واضحة حول كيفية تنمية موارد الخزينة، للتجاوب مع كافة التحديات، ولإنجاز مختلف البرامج، وأيضا لكونها سياسة خاصة قائمة الذات يتم الاشتغال عليها.

تخوفات ضريبية

خلّفت الفراغات التي تركها البرنامج الحكومي تساؤلات خاصة حول موضوع الضرائب، وتخوفات بشأن إمكانية الرفع منها، غير أن تقدير الخبير أحمد جزولي، ذهب إلى أن التخوف من الموضوع الضريبي ليس تخوفا في محله، مضيفا أنه في المغرب مازال هناك نقص كبير فيما يخص الوعاء الضريبي “l’assiette fiscale”، لأن عدد الذين يؤدون الضرائب محدود، ونسبة الضرائب مرتفعة.

وتابع جزولي أنه في حال توسيع الوعاء الضريبي، سينعكس ذلك على تنمية موارد الدولة، والأكثر من ذلك، يمكن للحكومة أن تتجه إلى تخفيض الضرائب بالموازاة مع توسيع الوعاء الضريبي، لكن هذه السياسة يجب أن تكون واضحة في البرنامج الحكومي، وأن توضع لها خطة.

نسبة النمو وفرص الشغل

في وقت أوضح فيه أخنوش، أن التزام الحكومة فيما يخص التشغيل، يروم خلق مليون منصب شغل، أفاد بالمقابل أن نسبة النمو المتوقعة هي 4 في المئة، ما جعل أحزاب المعارضة توجه إليه انتقادات كثيرة، بحكم أن نسبة النمو المحتملة لن تكون كافية لخلق مليون منصب شغل، نظرا للتلازم القائم بين نسبة النمو وعدد فرص الشغل.

حول هذه النقطة يوضح جزولي أن فرص الشغل المحدثة تكون نتيجة للتنمية العامة في البلاد، فكلما كانت نسبة النمو مرتفعة كانت إمكانيات الطلب على الشغل متوفرة، وبالتالي إتاحة فرص الشغل، لأن التشغيل هو نتيجة وهدف وليس منطلقا، إذ أنه لا يمكن للدولة أن تبدأ من التشغيل فقط لأنها تريد ذلك، فالشغل يكون نتيجة للعمل، لاسيما في القطاع الخاص.

واستدرك جزولي، أما إذا كان الأمر يتعلق بالقطاع العام “فإننا لم نرى برامج كبيرة على مستوى هذا القطاع يمكن أن تستوجب وظائف جديدة، فمثلا في السنوات المقبلة، سيتم تعميم تدريس الإنجليزية من المستوى الابتدائي، وبذلك سنكون في حاجة إلى ألف أستاذ اللغة لذلك، لكن لم نرى مثل هذه المبادرات بشكل واضح، وبالتالي فليس هناك ما يبين أن التشغيل سيكون في القطاع العام.

وفي المقابل، ما يمكن أن يكون، بحسب جزولي، هو توفير الشغل من طرف القطاع الخاص، وهذا يتطلب بدوره سياسة عمومية خاصة بتنمية القطاع الخاص، لكن هذه النقطة كذلك غابت في البرنامج الحكومي.

مليون منصب شغل.. هدف متواضع!

بخصوص خلق مليون فرصة شغل، وخلافا لكل النقاشات التي سادت، اعتبر جزولي أنه ليس هدفا كبيرا، بل هو “متواضع جدا وأقل من المطلوب”، مستحضرا تأكيد النشرة الإخبارية للمندوبية السامية للتخطيط الخاصة بوضعية سوق الشغل خلال الفصل الثاني من سنة 2021، أن عدد العاطلين عن العمل انتقل إلى مليون و605 ألف شخص وطنيا، وبالتالي، فالحل يجب أن يتوجه بشكل مباشر إلى هذا العدد. بالإضافة إلى ذلك، فهذا التشخيص يتعلق بالوضعية الحالية، ويتوقع مستقبلا أن يظهر عدد جديد وسيناريوهات جديدة، وسيكون هناك طلب متزايد على سوق الشغل، يضيف جزولي.

تنمية العرض للتجاوب مع الطلب على الشغل يتطلب عملا كبيرا، وفق خبير السياسات العامة، الذي أكد أن هذا ما لم يتضمنه البرنامج الحكومي، إذ بحسبه لا وجود لتنمية عروض الشغل في المجتمع ولو بنسب ضئيلة داخل البرنامج الحكومي، مضيفا أنه في السياسات العمومية لكثير من الدول، يتم الاشتغال على هذا المحور من خلال العمل على النسب العامة للبطالة. وعودة إلى نفس نشرة المندوبية السامية للتخطيط، يتضح أن معدل البطالة انتقل من 12.3 في المائة إلى 12.8 في المائة على المستوى الوطني، وهذه النقطة كذلك لم يثرها البرنامج الحكومي بشكل واضح، إضافة إلى التناسب بين العالم القروي والحضري، إذ يوجد اختلال واضح على هذا المستوى، وتوجد هشاشة في قطاع الشغل أو ما يسمى “الشغل الناقص”.

“خبطة” إعلامية!

إضافة إلى الأرقام السابقة، يضيف جزولي أن نشرة المندوبية السامية للتخطيط، توفر العديد من المعطيات الأخرى، مؤكدا أن هذه الاحصائيات يجب التفاعل معها وإيجاد حلول لها، لكن مع الأسف، يستدرك الخبير جزولي، البرنامج الحكومي لم يجد الأجوبة الملائمة لهذه القضايا، وراهن على “خبطة إعلامية” تتعلق بمليون منصب شغل، ليتضح للمواطن البسيط أنه رقم مهم، لكنه ليس كذلك بالنظر إلى معطيات المؤسسات الرسمية فيما يتعلق بنسب البطالة.

وبخصوص مصادر التمويل المحتملة والخيارات المتاحة أمام الحكومة، يعتقد جزولي إمكانية توسيع الوعاء الضريبي، لجعل كل من عليه مستحقات ضريبية يدفع، دون الحاجة للزيادة في قدر الضرائب، وأيضا ضمان استخلاص الضريبة على القيمة المضافة، ذلك أنه في الوضع الحالي يدفعها المستهلك، ولا تحصّلها الدولة من العديد من القطاعات، كمجال التجارة بالتقسيط، وأيضا تعميم الضريبة على الدخل، ثم إدماج وتنظيم القطاع غير المهيكل.

قد يعجبك أيضا
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.