عبيابة: قرار مجلس الأمن يؤكد أن تأمين معبر الكركرات لا رجعة فيه

*الدكتور حسن عبيابة

عرف ملف الصحراء المغربية هذه السنة صراعا قويا فيه الظاهر والباطن، مع خصوم وأعداء الوحدة الترابية. بل جندت الجزائر كل مالديها من إمكانيات مادية وبشرية ودبلوماسية لتغير مسار التسوية لملف الصحراء المغربية، في الأمم المتحدة، للعودة بالملف إلى 30 سنة مضت. لكن يقظة المغرب بكل مؤسساته، جعل الجزائر تسقط في فشل دبلوماسي دولي أمام دول الإتحاد الإفريقي وأمام الأمم المتحدة، ما يعني أن وزن الجزائر إقليميا ودوليا، يبقى متواضعا إن لم يصبح ضعيفا، وهذا الفشل سينعكس على سياسة الجزائر قريبا، وفي قراءات متعددة لقرار مجلس الأمن الأخير، رقم 2602 القاضي بتمديد مهمة بعثة المينورسو لمدة سنة أخرى، يمكن استنتاج:

أن القرار أكد ماقام به المغرب من عملية تحرير وتأمين معبر الكركرات، وحماية المبادلات التجارية للمغرب مع موريتانيا ومع إفريقيا، وربما أن هذا العمل يعتبر أقوى مكسب على الإطلاق منذ وقف  إطلاق النار عام 1991 وهنا نحي بكل تقدير وإحترام القوات المسلحة الملكية التي نجحت في تحرير المعبر بنجاح كبير مبهر وتاريخي.

أن الجزائر وجبهة البوليساريو إعتبروا أن المغرب إستغل بذكاء خرق جبهة البوليساريو لمنطقة الكركرات العازلة، وتهور الجبهة في إرسال مدنين، وممارسة عملية القرصنة، والعرقلة التجارية البرية بين المغرب وموريتانيا والقارة الإفريقية، حيث تمكن المغرب من تأمين معبر الكركرات من طرف القوات المسلحة الملكية بطريقة ناجحة وبدون خسائر وموثقة من طرف بعثة المينورسو.

أنه حسب التسريبات من تندوف أن الجزائر طلبت من جبهة البوليساريو القيام بعمليات عسكرية نوعية، وغلق معبر الكركرات من أجل لفت الإنتباه إلى الأمم المتحدة، وخرق وقف إطلاق النار، إستعداد للتأثير على مشاورات مجلس الأمن في شهر أكتوبر 2021. لكن فشل جبهة البوليساريو في غلق معبر الكركرات، وتأمين المغرب لمعبر الكركرات، جعل جبهة البوليساريو تعتقد أن الجزائر بدأت في التخلي عن جبهة البوليساريو، مما جعل بعض قادة البوليساريو يخاطبون قادة الجيش الجزائري سرا بأن مشروع الجمهورية الوهمية بدأ في التوقف، إذا لم تتحرك الجزائر، وهذا حوار صامت وغير معلن، لكنه موجود بقوة.

. أن الجزائر تعرف أن المغرب قطع مراحل كبيرة في ملف الصحراء المغربية، وأن عملية الكركرات كانت آخر حلقة من حلقات مسلسل إستكمال الوحدة الترابية، ولذلك إستعانت الجزائر  بروسيا للقيام بالمساعدة في إحراز أي تقدم في الموضوع، وقد تشكلت لجنة فيها خبراء أجانب ويديرها الوزير الجزائري المكلف بشؤون المغرب العربي، لدراسة التطورات، وتقييم مايمكن أن تقوم به جبهة البوليساريو، قبل صدور قرار مجلس الأمن في أكتوبر 2021، لكن تقييم إمكانيات جبهة البوليساريو أعطت نتائج كارثية، حيث وجد معظم أعمار مرتزقة جبهة البوليساريو تفوق 50 سنة، وأصبحت غير قادرة على الحرب، كما أن اللجوء إلى تجنيد الأطفال عن طريق إغراء عائلاتهم، لاتأهل لاجيشا ولامرتزقة للحرب مع المغرب، بالإضافة إلى أن قيادة جبهة البوليساريو العسكرية تهالكت، وانشغلت في عملية البيع والشراء، وممارسة التهريب والإتجار بالمخدرات، وتشير المعلومات أن هناك عزوف علني عن مشاركة أبناء مخيمات تندوف في الإنخراط في أي عمل عسكري، بسبب إهمال عائلة الضحايا والتنكر لهم، هذه العوامل كلها مجتمعة جعلت الجزائر وجبهة البوليساريو تطلبان التعجيل بالحل، ورفض الحوار عن طريق الموائد المستديرة، لأن الإرهاق والتدمر الذي أصاب الجبهة ومعها الجزائر، في موضوع الصحراء أوقف التفكير السليم للحل، ويبدو أن جبهة البوليساريو تورطت عندما أعلنت عن خرق وقف إطار النار، ولم تستطع أن تعلن العكس بدون مبرر، مما سيجعلها في مأزق دولي، مما جعل العشوائية في الدبلوماسية الجزائرية تفقد البوصلة، لإيجاد مخرج لهذا الموضوع.

أن الحل المناسب هو أن الموائد المستديرة يجب أن تصبح موائد مستطيلة للتفاوض مع الجزائر لحل جبهة البوليساريو، والتخلص من مخيمات تندوف، وتنزيل مبادرة الحكم الذاتي في إطار مغربية الصحراء، وعدم مضيعة الوقت، وخلق فضاء  مغاربي جديد يسوده التعاون والمشاركة في التنمية.

أن عملية التصويت على قرار مجلس الأمن تمت بأغلبية مطلقة، بتصويت 13 دولة مقابل إمتناع روسيا وتونس، وهذا إنتصار كبير، لأن الجزائر لم تستطع أن تقنع أي دولة بالتصويت ضد القرار، وأما مافعلته روسيا بالإمتناع عن التصويت فهو إيجابي، لأنه لم يصوت ضد القرار، بل أن روسيا لو كانت فعلا مع الجزائر لاستخدمت الفيتو، وبالتالي فإن من إمتنع عن التصويت فهو مع المغرب وليس ضده، وخبراء الأمم المتحدة يعرفون تقنية التصويت، فأحيانا يطلب من بعض الدول في مواضيع معينة الإمتناع بدل التصويت إذا توفر النصاب، لإعطاء القرارات مصداقية دولية.

أن الحسم في موضوع الكركرات كان من رسالة جلالة الملك إلى الأمين العام للأمم المتحدة الذي أكد فيها أن موضوع الكركرات لا رجعة فيه، وهنا تكمن قوة الدبلوماسية الملكية على المستوى الأممي والدولي.

المغرب كمؤسسات وكشعب يجب أن يفخر بما تحقق في ملف الصحراء المغربية، في ظل ظروف دولية صعبة، وأن يشعر المغاربة بالأمن والاستقرار، وحماية الوحدة الترابية التي يجب أن تدرس كعقيدة لأبنائنا في المناهج والمقررات، فالتاريخ يذكرنا بأن الأطماع لاتنتهي، وأن اليقظة يجب أن تبقى مع خلود التاريخ المغربي، لأن الحكومات تنتهي وتأتي أخرى، والأشخاص يستبدلون بآخرين عند الضرورة، لكن المغرب يستمر بأجياله، وبمؤسساته ومقدساته وبثوابته الوطنية، الضامنة للإستقرار والاستمرار.

 *أستاذ جامعي ووزير سابق

قد يعجبك أيضا
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.