“مُعمِّرون” فوق المحاسبة.. هل يتخلى عنهم بنموسى؟
في وقت يخوض فيه شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، مشاورات لتجويد المدرسة المغربية، مشابهة لمشاورات النموذج التنموي، وبينما يجول عبر التراب الوطني باحثا عن أسباب الفشل، يتغافل عن أن جزء غير يسير منه، كان بصناعة ممن هم تحت إمرته من المدراء المركزيين الذين أصبحوا مع توالي الحكومات أشهر حتى من وزراء القطاع.
هؤلاء موظفون “خالدون” بالوزارة، منهم من تجاوز سن التقاعد، وآخرون راكموا الفشل الذريع طيلة سنوات، سواء على مستوى التسيير “الروتيني” للمديريات، أو على مستوى تنزيل سياسات عمومية وبرامج كلفت ملايير الدراهم، إلا أن سهام الإعفاءات والمحاسبة تخطئهم في كل مرة، فيعودون بشكل أقوى لترسيخ أقدامهم بوزارة تراكم الفشل منذ سنوات.
ورغم المجهودات التي يحاول بنموسى تقديم للنهوض بالقطاع، إلا أن استمرار تواجد مجموعة من الأشخاص يشكك، وفق متتبعين، في مصداقية إرادة الإصلاح لدى الوزير، وعلى رأسهم الكاتب العام للوزارة وبعض المدراء المركزيين، إضافة إلى واقع العديد من المناصب منها التي توجد ضمن الهيكلة الوزارية وأخرى تم إحداثها وتفصيلها على مقاس بعض الوجوه الخالدة داخل الوزارة.
وبينما تطال العديد من هذه الأسماء انتقادات كثيرة، سواء المتعلقة بغياب أي تقييم لأدائهم بالمناصب التي يشرفون عليها، أو محاسبتهم عن التقصير والأخطاء التي أهدرت ميزانيات طائلة، كان ينتظر منها أن تنعكس إيجابا على واقع التعليم بالمغرب، يستمر الوزراء المتعاقبون في الإصرار على تواجدهم بطريقة تصفها مصادر بأنها “غير مفهومة”.
ويصاحب الجدل الكثير من المديريات داخل الوزارة، منها المديرية المكلفة بتدبير مجال التواصل، التي ما يزال قسم الاتصال بها شاغرا منذ 2021 شتنبر، ومديرية الحياة المدرسية، ومديرية الشؤون العامة والميزانية والممتلكات الشاغرة بدورها منذ سنوات، والتي أعلن التباري بشأنها مرة واحدة دون أن تصدر النتائج، إذ تدار مديرية بحجمها إلى اليوم بمنطق التكليفات.
إلى جانب ذلك أفادت معطيات أن العديد من المناصب داخل الوزارة يتم تفصيلها المقاس مقابل تعويضات سخية، ومنها منصب “مدير مساعد” لمدير مركزي بالوزارة، يوقع المراسلات والإرساليات وشواهد الحضور، وهي الظاهرة التي تعرفها، وفق مصادر، مديرية الموارد البشرية وتكوين الأطر، والمركز الوطني للتجريب والتجديد التربوي، ومديرة منظومة الإعلام، وأكاديمية الدار البيضاء سطات، وهو المنصب الذي لا يستند على أساس قانوني.
وعلى رأس الوجوه الخالدة بالوزارة، وفق المصادر، يوجد الكاتب العام للوزارة، يوسف بلقاسمي، الذي يشغل المهمة منذ 13 سنة، وهو من أقدم الكتاب العامين في الوزارات. ومن الذين رافق استمرار اسمهم مع الوزير بنموسى جدلا كبيرا، يعد من الأسماء التي نجت من سلسلة الإعفاءات على عهد الوزيرين رشيد بن المختار ومحمد حصاد، وكذا من الصراعات التي أطاحت بالعديد من الرؤوس بالوزارة، رغم مسؤوليته في فشل السياسة التعليمية على مدى سنوات.
وإلى جانبه يوجد الحسين قضاض، المفتش العام للتربية والتكوين، وهو أستاذ مبرز، قضى أزيد من 12 سنة داخل منصبه بعد مسؤولية مدير الميزانية، ولعب دورا في العديد من الإعفاءات التي همت أكاديميات التربية والتكوين بجهات المملكة والتي أسقطت مجموعة من الرؤوس، غير أن تقاريره لاقت انتقادات كونها تحابي بعض الأشخاص دون آخرين.
ومن بين هذه الأسماء، التي اتضح فشلها خلال أزمة جائحة كورونا، توجد إلهام لعزيز، مديرة برنامج “جيني” الذي جاء من أجل إدخال الرقمنة للقطاع ورصدت له ملايير الدراهم، قبل أن يتضح فشله مع اللجوء إلى التعليم عن بعد. ورغم وجود هذا القسم منذ 15 عاما بالوزارة وتوفره على تجهيزات متطورة إلا أن حصيلته بقيت هزيلة.
ويوجد اسم مولاي يوسف الأزهري، مدير المركز الوطني للتجريب والتجديد التربوي، وأستاذ مبرز، يعد من بين الأسماء المثيرة للجدل، إذ أنه قضى في منصبه نحو 14 سنة، وهو مسؤول عن بيداغوجيا الإدماج التي رافقت تنزيل المخطط الاستعجالي للتربية والتكوين، الذي التهم الملايير وكان مصيره الفشل. زيادة على جمعه بين مهام متعددة منها تدبير المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وتحكمه في مراكز الأقسام التحضيرية، ومشاريع المصاحبة التربوية والأستاذ الرئيس، التي أنتجت المئات من الأساتذة المتفرعين، دون أن تحقق أي مردودية.
ويعد محمد ساسي، مدير المركز الوطني للتقويم والامتحانات، من بين هذه الأسماء، فرغم تقاعده تم التمديد له مرتين في عهد الوزير السابق سعيد أمزازي، وهو متحكم في كل ما يتعلق باختيار مواضيع امتحانات موظفي القطاع وامتحانات أساتذة التعاقد، ومواضيع امتحانات البكالوريا التي جلبت عليه متاعب بسبب اعتماده على مفتشين بلغوا سن التقاعد وما زالوا يتقاضون تعويضات مالية سخية.
ومن بين هؤلاء كذلك يوجد فؤاد شفيق، مدير المناهج والمكلف بالمفتشية العامة للشؤون التربوية، وهو أستاذ للتعليم العالي مارس التدريس لسنوات، ذلك أن هذه المديرية صاحبها الكثير من الجدل في السنوات الأخيرة خاصة مع التغيير المستمر للمناهج الذي يخدم ثلة من الناشرين، إضافة إلى الانتقادات المستمرة المقدمة للمناهج الدراسية بسبب ضعف انعكاسها على خريجي المدارس المغربية.
وتطرح الكثير من الأسئلة حول أسباب استمرار اعتماد الوزير شكيب بنموسى على هذه الأسماء، رغم ما راكمته من فشل، خاصة في تنفيذ برامج بميزانيات كبيرة، ذلك أن خطوات الإصلاح، وفق متتبعين، تبدأ مع التخلي عن وجوه كانت سببا في الفشل لسنوات ولم تقدم الإضافة المرجوة منها، مقابل ما تلتهمه من تعويضات سخية.