الشاوي.. أول ربانة مغربية قتلها الإرهاب الفرنسي

شهيدة حلمها، ابنة أبيها الذي ضحى بكل ما لديه حتى تعانق ابنته السماء، وتصير ربانة في زمن كان عيبا على المرأة المغربية أن تخرج لوحدها بمعزل عن محرمها. ثريا الشاوي ابنة مدينة فاس العتيقة، تعلق قلبها بالسماء وبمقود الطائرة، فشاءت الأقدار أن تكون ضحية حلمها.

لم يكن كل ما رسخوه في أذهاننا حول المرأة المغربية في سنوات الثلاثينات والأربعينيات من القرن الماضي صحيحا، بتصوير المرأة بالحايك والجلابة، وأن إنجازهن كان الاستحياء وعدم الخروج أو مخالطة الرجال، حتى صارت المقارنة بين نساء الماضي واليوم حول الاستحياء مبالغا فيها. فمن كان يعتقد أن تكون شابة في عمر الزهور، في تلك الفترة، مناضلة ونابغة نافست أبناء الأوروبيين، واستطاعت أن تكون ثالث امرأة في العالم والأولى عربيا وأفريقيا تقود طائرة.

احتفل بها الملك

كانت ثريا من الأصوات التي طالبت كباقي الشعب المغربي بعودة الملك محمد الخامس من منفاه، وعند عودته، رحبت به بطريقتها الخاصة، إذ امتطت طائرتها وحلقت فوق سماء الرباط مرحبة بعودة الملك، ترمي بمناشير وأوراق ملونة من السماء حفاوة بعودة الملك، فكانت تلك الجولة سببا لعودة مرضها الذي عانته من قبل. فتكفل الملك بعلاجها في سويسرا، إلى أن عادت سالمة بعد ستة أشهر.

وفي الوقت الذي كانت فيه المقاومة ضد المستعمر في أوجها، توجت ثريا بالشهادة، واستطاعت أن تكون ربانة طيارة بامتياز، بعد تخرجها من مدرسة كان فيها أبناء الفرنسيين، الذين لم يتركوها وشأنها طيلة مسيرتها الدراسية، بل تجاوزت خلال امتحانها ضباب السماء، وسوء الجو وحققت حلمها، لتتقاطر عليها التهاني من أبرز الشخصيات، في مقدمتهم الملك محمد الخامس، الذي استقبلها في قصره، وهنأها محمد بن عبد الكريم الخطابي وعلال الفاسي وملك تونس وملك ليبيا آنذاك، وشخصيات عالمية بارزة.

تصدّر خبر نجاح ثريا، كأول ربانة طائرة مغربية وعربية وأفريقية، في ذلك العهد عناوين الصحف الدولية. ولم يكد يمر الحدث بسلام، إذ تحولت ثريا إلى رمز للحرية والاستقلال في زمن القمع والاستعمار، فرأى الإرهاب الفرنسي، أن يضع حدا لحياتها ولإلهامها للشباب آنذاك. فخطط لأربع محاولات اغتيال ثريا في ظرف سنة واحدة، فكانت تنجو منها بمعجزة، إلى أن وصل اليوم المشؤوم.

نهاية ثريا وبداية الاستقلال

في محاولتهم الأولى لاغتيال ثريا الشاوي، فجر مرتزقة المستعمر قنبلة قرب بيتها للنيل منها، لكنها لم تفلح، فأعادوا الكرة بإطلاق ثماني رصاصات عليها رفقة والدها، فنجت منها جميعا، فلم ييأسوا، فطاردت الشرطة الفرنسية ثريا ووالدها على متن سيارتهما، وأطلقوا عليهما الرصاص فنجيا. وفي محاولة رابعة تنكر شرطيان فرنسيان، وطلبا منها أن تنقلهما على متن سيارتها، لكن حدسها أخبرها أنهما يخططان لقتلها فصرخت حتى غادرا المكان.

قبل يوم من إعلان المغرب استقلاله، من قبضة المستعمر الفرنسي، أي في الأول من شهر مارس 1956، وفي المحاولة الخامسة لاغتيالها، كانت ثريا البالغة من العمر 19 عاما، رفقة شقيقها في طريقهما إلى البيت بعد مشاركتها في احتفال نظمته مؤسسة للا أمينة بمناسبة نيل المغرب استقلاله، أطلق عليها الرصاص من الخلف مباشرة على رأسها، أمام أعين شقيقها وأمها التي كانت تحييهما من الشرفة.

ضابط المخابرات السابق أحمد البخاري، روى في تفاصيل نشرتها الصحافة، أن رجل العصابات أحمد الطويل، عضو ميليشيا سرية، كانت تنفذ الاغتيالات آنذاك، وكان يصول ويجول بسلاحه ويرعب الناس، ولا يستطيع أحد أن يعصيه، كان يريد الزواج من ثريا الشاوي، لكنها رفضته فقتلها، إلا أن الوقائع ولحاق الشرطة الفرنسية بثريا، تثبت أن الطويل كان مجرد أداة لتنفيذ الأوامر، فالهدف من قتل الفرنسيين ثريا، كان قتل رمز المرأة المغربية القوية، وقتل مناضلة ووطنية نافست الفرنسيين.

قد يعجبك أيضا
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.