افتتاحية.. الوهم عابر والمغرب ثابت

ليست المرة الأولى التي تنزلق فيها صحيفة لوموند الفرنسية في فخّ التحامل على المغرب، لكنها هذه المرة اختارت أسلوبا أكثر وقاحة وكذب، مبني على إيحاءات وفرضيات متسرّعة، يفتقر إلى أبسط مقومات المهنية والإنصاف.

الصحيفة التي تتباهى بتاريخها الصحفي العريق، لم تتردّد في خلط المعطيات بالخيال، لتقدّم للقارئ الفرنسي والعالمي صورة مظلمة عن ملكية المغرب. لوموند لم تكتفِ بتضخيم وضع صحي مُعلن، بل حاولت أن تبني على ذلك سيناريو كاملا عن غياب الملك وتآكل شرعيته، وكأنها تمتلك مفاتيح فهم المغرب أكثر من أبنائه. وهذا ليس سوى امتداد لتقليد قديم داخل بعض المنابر الفرنسية، التي مازالت أسيرة عقلية استعلائية، ترى في المغرب مجالا خصبا للإسقاطات والأحكام الجاهزة.

لكن الواقع يكشف العكس تماما، فمنذ سنوات، ورغم العمليات الجراحية أو فترات النقاهة، ظل محمد السادس حاضرا بقوة؛ يترأس المجالس الوزارية، يفتتح الدورات البرلمانية، يقود الاحتفالات الوطنية والدينية، ويشارك في القمم الدولية الكبرى. بل إن ظهوره في لحظات دقيقة، وهو متكئ على عصا طبية بعد عملية جراحية، لم يكن دليلا على غياب، بل رسالة واضحة: الملك يمارس مسؤولياته رغم كل الظروف.

أما الشعب المغربي، الذي تجاهلته لوموند بشكل غريب، فهو الحلقة الأهم في هذه المعادلة. فالثقة المتجددة التي يظهرها المغاربة تجاه ملكهم لا تحتاج إلى براهين مستوردة من الخارج. الملايين التي تلتف حول العرش، والشرعية التاريخية المتجذرة، كفيلة بتفنيد أي محاولة لتسويق وهم “نهاية العهد”.

الأدهى أن المقال لم يكن مجرد قراءة خاطئة، بل أقرب إلى محاولة موجهة للتشويش على استقرار المغرب وصورته الدولية. فمن يقرأ بين السطور يدرك أن هناك أجندات تبحث عن زعزعة الثقة في مؤسسات المملكة، وتعمل على تغذية الشكوك في مرحلة تعرف فيها البلاد دينامية إصلاحية ومشاريع استراتيجية كبرى. وهنا يطرح السؤال: هل ما نشرته لوموند اجتهاد صحفي بريء، أم خدمة مقصودة لأجندات لا تريد للمغرب أن يستمر كقوة استقرار في المنطقة؟

لذلك، مهما حاولت بعض المنابر الإعلامية في باريس أو غيرها، فإن المغرب أكبر من أن تختزله في عناوين مثيرة. فالمملكة ليست رهينة إشاعات ولا ضحية أقلام مأجورة، بل دولة بتاريخ عريق، وملك حاضر في واجباته، وشعب متشبث بعرشه. أما لوموند، التي كانت تُحسب يوما على الصحافة الرصينة، فقد تحوّلت في هذا الملف إلى مرآة مشروخة تعكس عقدا قديمة وأوهاما جديدة، أكثر مما تعكس الحقيقة.

إن أقوى رد على مثل هذه الحملات ليس الانفعال ولا الغضب، بل مزيد من الثقة في بلدنا، ومزيد من التلاحم بين الشعب وملكه. المغرب ماضٍ في مساره، بمشاريعه الكبرى وتوازناته الراسخة، ولن توقفه عناوين مأزومة ولا أقلام مأجورة. فليكتبوا ما يشاؤون، وليختلقوا ما يشاؤون، أما نحن فماضون في بناء وطن لا تُهزمه الكلمات.

قد يعجبك أيضا
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.