لهذا القاسم الانتخابي على أساس المصوتين غير دستوري
*حسن عبيابة
من المعروف لدى فقهاء الدستور، أن القوانين التنظيمية، تعد آلية لتنزيل الدستور، لذا يجب أن تراعي أحكامه نصا وروحا. وإن ابتعادها عن مفهوم الدستور، يعني أن تطبيقها وما ينتج عنها، يعتبر خارج الدستور، وبالتالي فإن أي تعديل يطال القوانين التنظيمية للانتخابات، يجب أن يكون في إطار دستوري تام، كما أن تعديلات القوانين التنظيمية ليست رأيا سياسيا أو رأيا قانونيا للأحزاب فقط، إنما تطبيق للدستور، عن طريق دفاع الأحزاب عن الدستور، والتصويت على ذلك في البرلمان.
وبالرجوع إلى بنود الدستور، نجد أن الفصل الثاني من الدستور، ينص على أن “السيادة للأمة، تمارسھا مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليھا. وتختار الأمة ممثليھا في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم…”، بمعنى أن السيادة للأمة، تمارسها بصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها في المؤسسات المنتخبة، بطريقة منظمة. والتنظيم يقتضي قوانين تنظيمية للانتخابات، لأن الحرية والنزاهة، تقتضي إحترام الدستور.
وينص الفصل السادس، على أن القانون ھو أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيھم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له، وتعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية…). وكلمة تمكين المواطنين المساواة بينهم، وتمكين المواطنين من مشاركتهم في الحياة السياسية في الدستور، تعني تكافأ الفرص لجميع المرشحين دون إقصاء، لأن القاسم الانتخابي على أساس عدد المصوّتين، كان يقصي العديد من الأصوات الذين لهم الحق في التصويت دستوريا.
وبالإضافة إلى ذلك، نجد الفصل السابع من الدستور ينص على أنه “تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينھم السياسي، وتعزيز انخراطھم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساھم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية. تؤسس الأحزاب وتمارس أنشطتھا بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون. نظام الحزب الوحيد نظام غير مشروع..)، والمثير للانتباه أن طبيعة القوانين التنظيمية للانتخابات، قبل التعديل الحالي، تسمح بأن يسيطر حزب وحيد على الحياة السياسية، وهذا مخالف للدستور الذي ينص على أن نظام الحزب الوحيد غير مشروع. وبالعودة إلى الفصل الـ 11، نجد أنه ينص على أن الانتخابات الحرة والنزيھة والشفافة ھي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي. ومشروعية التمثيل الديمقراطي، تعني حذف القاسم الانتخابي على أساس عدد المصوتين، وحذف العتبة التي تقصي أصوات دستورية بقرارات حزبية في الأصل.
ونجد كذلك الفصل الـ 30 من الدستور، ينص على أنه لكل مواطنة ومواطن، الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية. وينص القانون على مقتضيات من شأنھا تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية. وبحسب هذا النص، كيف نحذف صوتا لمواطن، مارس حقه في التصويت بحكم الدستور.
ويمكن العودة كذلك إلى الفصل الـ 47، الذي يشير إلى أنه لجميع المواطنات والمواطنين، احترام الدستور والتقيد بالقانون…، لأن هنا إشارة إلى ضرورة الدستور والقانون المنبثق من روح الدستور، وهناك مضامين متعددة موجودة في دباجة الدستور. اعتمادا على ماسبق، من نصوص دستورية واضحة، وعودة إلى التعديلات التي أدخلت على القوانين التنظيمية للانتخابات في الدورة الاستثنائية لمارس 2021، نستنتج أن البرلمان قام بتصحيح خطأ دستوري، وقع في غفلة من الجميع في القوانين التنظيمية، وخلق أحزاب قوية بقانون معيب وليس بقوة أصوات المواطنين، باعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، واعتماد العتبة.
ويستخلص أنه بذلك جرى حذف بعض المكونات السياسية، التي صوت عليها المواطن بحجة محاربة البلقنة، لكن في الوقت نفسه، جرت بلقنة الدستور بقوانين انتخابية معيبة، وأن الأصل هو الحق في للتصويت للمواطنين، وليس لأي جهة الحق في مصادرته، إذ تم حذف أصوات للمواطنين في مخالفة تامة للدستور، بالإضافة إلى اعتماد القاسم الانتخابي، على أساس المسجلين فقط، وهو إسقاط ومصادرة للحريات في حق المسجلين، الذين لا يصوتون واستغلال عدم تصويتهم.
ويستنتج كذلك، أن العزوف الانتخابي، جعل القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، قوة انتخابية خادعة لبعض الأحزاب في المشهد السياسي، وبالتالي فإن البرلمان المغربي، تأخر لولاية كاملة لتدارك الموقف وتصحيح بعض القوانين التنظيمية المرتبطة بالانتخابات.
وبالعودة إلى تحليل عملية التصويت، التي تمت على التعديلات للقوانين التنظيمية للانتخابات، نجد أن 162 نائبا برلمانيا صوت بالإيجاب على مشروع “القانون الانتخابي الجديد”، بينما عارضه 104 نائبا، كلهم من حزب العدالة والتنمية، فيما امتنع عن التصويت نائب برلماني واحد، وأن عدد النواب الذين لم يحضروا التصويت بلغ عددهم 123، وهو عدد فاق مجموع الفريق الذي كان ضد التعديلات، بمعنى أن الأحزاب السياسية، التي صوتت على القانون الجديد للانتخابات، لم تحتج عدد 58 نائب فقط فوق عدد المعارضين للتصويت على قوانين كلفت المشهد السياسي الكثير من الأزمات السياسية.
*وزير سابق وعضو المكتب السياسي للاتحاد الدستوري