بنك المغرب يعرّي ميزانية حكومة أخنوش

مرة أخرى، تثبت الأرقام أن الحكومة الحالية تواصل إدارة الشأن المالي بعقلية المحاسبة الظرفية لا بمنهجية الإصلاح البنيوي. فالعجز المسجل في الميزانية عند متم يونيو 2025، والذي بلغ 24,8 مليار درهم، الذي كشفه تقرير والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، ليس رقما عاديا، بل هو تعبير عن فشل مزدوج: فشل في ضبط النفقات، وفشل أكبر في تعبئة الموارد.

رغم أن تقرير الخزينة العامة يحاول تقديم صورة مريحة عبر الإشارة إلى “فائض في الموارد على النفقات” بفضل إيرادات القروض، فإن هذا النوع من التجميل المالي لا يصمد أمام أي قراءة جادة. القروض ليست مورداً، بل التزاماً مؤجلاً. والفائض المتحدث عنه، والبالغ 13,9 مليار درهم، لا يُخفي أن الدولة صرفت أكثر مما جمعت من مواردها الذاتية، واضطرت إلى الاستدانة لتغطية الفرق.

الاعتماد المتزايد على القروض، التي شكلت 18,6% من موارد الدولة خلال الفصل الثاني، يكشف بوضوح أن الحكومة لم تنجح في توسيع القاعدة الجبائية، ولا في محاربة التهرب الضريبي، ولا في تحفيز النمو الكفيل برفع المداخيل. الأدهى من ذلك أن النسبة الأكبر من الموارد تأتي من الإيرادات العادية، ولكن هذه الأخيرة لم تتجاوز 53,8% من الموارد الإجمالية، وهو ما يُظهر هشاشة البنية المالية للدولة.

في مقابل ذلك، نجد أن متأخرات سداد الضريبة على القيمة المضافة بلغت 32,8 مليار درهم، وهي كتلة مالية خانقة للمقاولات، وتدل على وجود اختلال في تدبير العلاقة بين الدولة والنسيج الاقتصادي الوطني. هذه المتأخرات، إضافة إلى مطالب استرداد الضريبة على الشركات، تعكس وضعاً صعباً يعاني منه الفاعلون الاقتصاديون، وتزيد من أزمة الثقة في الالتزامات المالية للدولة.

وتتجلى مظاهر الإخفاق بشكل أوضح عند التوقف عند نفقات الاستثمار، التي لم تتجاوز 14,4% من إجمالي النفقات. وهو رقم مخيب في بلد يدّعي أنه منخرط في تنزيل نموذج تنموي جديد. فبدل أن تتحول الميزانية إلى رافعة لتحفيز الاقتصاد وخلق فرص الشغل، يتم تقليصها بشكل يجعل من الخطاب السياسي شيئاً، والواقع شيئاً آخر.

وإذا كان تنفيذ الميزانية لم يتجاوز 52,6% من التوقعات في منتصف السنة، فإن ذلك يفضح ضعف فعالية الحكومة في الوفاء بالتزاماتها. فما فائدة القوانين المالية التي تُقدَّم سنوياً على أنها طموحة وموجهة نحو التنمية، إذا كانت الحكومة عاجزة حتى عن تنفيذ نصفها في ستة أشهر؟

إن هذه الأرقام تؤكد أننا أمام حكومة تُدبر العجز لا الإصلاح، وتغطي القصور بالاستدانة لا بالإبداع، وتُطيل عمر الأزمة بدل أن تواجهها. لا توجد رؤية واضحة لإعادة هيكلة المالية العمومية، ولا لخلق موارد جديدة ومستدامة. بل هناك هروب إلى الأمام عبر تضخيم القروض، وتأجيل الإصلاحات، والاكتفاء بلغة محاسبية لتبرير الفشل.

الحكومة لم تفشل فقط في تحقيق التوازن المالي، بل فشلت في تقديم أجوبة عن الأسئلة الكبرى: كيف ستمول الدولة مشاريعها الكبرى؟ كيف ستضمن عدالة جبائية؟ كيف ستعيد الثقة للمقاولة؟ وكيف ستضمن الاستقرار الاجتماعي في ظل ضعف الخدمات العمومية؟

الواقع أن هذه الحكومة تسير بالمالية العمومية نحو المجهول، برؤية رمادية وخيارات قصيرة النفس. وكلما مر فصل جديد من السنة، تزداد المؤشرات سوءاً، وتضيق هوامش المناورة. والنتيجة: ميزانية مرهقة، ومقاولة مخنوقة، ومواطن بلا أفق.

قد يعجبك أيضا
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.