التقدم والاشتراكية يصوّت على تصميم تهيئة الرباط وأمينه العام يهاجمه!
يحاول نبيل بعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، خلال الأيام الأخيرة، الظهور في واجهة الأحداث، في استعداد مبكر للانتخابات المقبلة، مراهنا على زرع التفرقة بين مكونات الأغلبية الحكومية، لإبعاد قائدها، والتحالف مع البقية. آخر خرجاته، تلك التي رافقت التطور المثير للأحداث، والجدل الذي رافق موقف حزب التقدم والاشتراكية بعد تصريحات أمينه العام، من عمليات الهدم التي طالت العديد من المنازل في الرباط.
ففي اللقاء الذي عقده مساء أمس الإثنين، قال نبيل بنعبد الله، الأمين العام، أن عمليات الهدم “فاجأت الجميع”، ما أثار تساؤلات كبيرة حول موقف الحزب من المخططات التي يندد بها اليوم. والمثير للدهشة بحسب مصادر مطلعة على الملف، هو كيف يمكن للأمين العام لحزب “الكتاب”، الذي سبق له أن شغل منصب وزير الإسكان وسياسة المدينة لولايتين متتاليتين، أن يتفاجأ اليوم بتفاصيل تصميم التهيئة الذي يتضمن عمليات الهدم؟
الأمين العام، الذي تولى حقيبة وزارة الإسكان لمدة طويلة، كان له دور رئيسي في وضع سياسات التعمير والإسكان في البلاد. وفي ضوء هذه التجربة الواسعة، تقول المصادر نفسها، هل من المعقول أن تكون قد غابت عن ذهنه التدابير والإجراءات التي تضمنها تصميم التهيئة الذي يتضمن الهدم؟ في تصريحات له، أكد أن “الموافقة على تصميم التهيئة لا تعني الموافقة على الهدم”، مبررا موقفه بأن السكان كانوا مرحبين بالمخطط بشكل عام. لكن كيف يمكن لشخص بحجم وزير سابق لقطاع التعمير والإسكان وسياسة المدينة، الذي يمتلك معرفة كبيرة بالتفاصيل التقنية والقانونية لهذه التصاميم، أن يتفاجأ بعمليات الهدم التي تم تنفيذها؟
هذا التفسير يثير العديد من التساؤلات، خصوصا أن تصاميم التهيئة ليست مجرد مخططات هندسية أو عمرانية، بل هي مشاريع يتطلب تنفيذها معرفة دقيقة بتفاصيل الأماكن المعنية وحقوق السكان. فهل كان الأمين العام والوزير السابق يجهل تماما تفاصيل هذه المخططات التي كانت تترجم على الأرض؟ أم أن التصريحات كانت محاولة لتجنب المسؤولية السياسية عن قرار اتخذه أحد أعضاء حزبه البارزين.
الموقف الذي عبر عنه الأمين العام يطرح تساؤلات أكبر، حول كيفية تعاطي حزب التقدم والاشتراكية مع قضايا المواطنين. من جهة، يُظهر الحزب معارضته العلنية للهدم، ومن جهة أخرى، نجد أن أحد اعضاء الحزب وهو مستشار في المجلس الجماعي للرباط، كان قد صوّت لصالح المخطط نفسه. هذا التناقض الواضح يثير شكوكا حول استراتيجية الحزب في التعامل مع هذه القضية. هل هو في الواقع معارض للهدم أم أنه يستخدم معاناة المواطنين كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية؟
أكثر من ذلك، فخلال اللقاء، تم منع بعض المواطنين المتضررين من الإدلاء بشهاداتهم علنا، رغم استعدادهم للحديث عن معاناتهم بسبب عمليات الهدم، وكذا توصلهم بحلول مُرضية من طرف السلطة المحلية للحصول على سكن لائق، يضمن كرامتهم بدل المعاناة الحقيقية التي كانوا يعيشونها بسبب شبح الدور الآيلة للسقوط.
هذا التصرف يعكس بحسب المعطيات نفسها، استغلالا واضحا لمشاعر المواطنين، حيث يتم استخدام معاناتهم في سياق إعلامي لزيادة التأييد، بينما يُمنع هؤلاء من التحدث بِحرية لشرح الوضع الذي يعيشونه. هل كان الهدف من اللقاء هو الاستماع إلى المتضررين وتقديم الحلول، أم أن الهدف كان فقط استغلال الأزمة لخلق خطاب سياسي يُلمع صورة الحزب في أعين المواطنين؟
أما بالنسبة لعضو الحزب، الذي صوّت لصالح المخطط الذي يتضمن الهدم، فإن تساؤلات عديدة تطرح حول مدى إدراكه تفاصيل المخطط. فهذا المستشار هو شخصية سياسية، وكان من المفترض أن يكون على دراية كاملة بتفاصيل المخطط الذي صوّت لصالحه.
فكيف يمكن لشخص يمتلك هذه الخبرة السياسية، أن يتجاهل تأثيرات هذا التصويت على المواطنين؟ ومن جهة أخرى، فهذا العضو في حزب التقدم والاشتراكية، هو نفسه، من اعتلى المنصة إلى جانب رئيسة المجلس، خلال الندوة الصحفية التي نظمتها بمعية رؤساء الفرق السياسية، ودافع على تصميم التهيئة، وشرح بشكل مستفيض إيجابياته، بل ثمن المقاربة الاجتماعية لتفاعل السلطة مع المتضررين وتعويضهم. وهذا يفتح الباب أمام احتمالات أخرى، مثل أن الأمين العام للحزب كان على علم بتفاصيل المخطط، لكنه اختار اللعب على الحبلين، الموافقة على المخطط في المؤسسات الرسمية، بينما يعارضه في العلن لكسب ودّ المتضررين.
وفي الأخير، يبقى السؤال الأهم، هل سيستطيع الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية تقديم تبرير مقنع لهذا التناقض بين تصريحاته السياسية وقراراته العملية؟ إذا كان الحزب قد قرر بالفعل دعم مشاريع التهيئة عبر أعضائه داخل المؤسسات، فمن الطبيعي أن يتحمل مسؤولية تلك القرارات بشكل كامل، بدلا من محاولات التنصل منها عبر بيانات إعلامية تهدف إلى استمالة المتضررين. وإذا كان يريد أن يبحث على مصداقية في أعين المواطنين، يجب أن يكون أكثر شفافية في مواقفه، وأن يتوقف عن استغلال قضاياهم لتحقيق أهداف سياسية ضيقة. أما إذا استمر في تقديم تفسيرات غير مقنعة، فسيظل هذا الجدل يلاحقه في المستقبل، ما قد يؤثر على علاقته بقاعدته الانتخابية.