يساريات في البرلمان.. أي إضافة للمعارضة؟
منيب والتامني إلى جانب الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية
بينما شغلت فيدرالية اليسار الديمقراطي خلال الولاية السابقة مقعدين برلمانيين، ممثلين في النائبين السابقين عمر بلافريج ومصطفى الشناوي، اكتفت الأحزاب المشكلة للفيدرالية بنفس حصتها خلال انتخابات 8 شتنبر الأخيرة، بعدما حصل حزب الاشتراكي الموحد المنفصل عن الفيدرالية على مقعد وحيد، في شخص أمينته العامة نبيلة منيب، وحصل تحالف فيدرالية اليسار على مقعد وحيد، حازته فاطمة التامني.
خلاف في أول ظهور
رغم أن اليسار لم يتمكن من تجاوز خلافاته، والاستفادة من تراكمات الولاية السابقة في مضاعفة تمثيليته في البرلمان، بسبب الخلافات الداخلية والفشل في تدبيرها، إلا أن حضور كل من النائبتين البرلمانيتين منيب والتامني داخل مجلس النواب، يمكن أن يشكل استمرار حضور الصوت اليساري، إلى جانب ما تمثله أحزاب اليسار التقليدية الساعية لقيادة المعارضة ضد حكومة أخنوش.
وإذا كانت طموحات تأمل أن يشكل العمل المشترك داخل البرلمان نقطة الرجوع إلى طريق بناء “الحزب اليساري الكبير”، فإن بداية هذه الدورة لم تكن مبشّرة. السبب خلاف بين النائبتين اليساريتين، اتضح منذ أول مناقشة للتصريح الحكومي، إذ اعترضت النائبة التامني على منح الكلمة لمنيب قبلها، بدليل أن الفيدرالية توجد قبل الحزب الاشتراكي الموحد في لائحة المداخلات أمام رشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب.
وعكس التناغم الذي يجب أن يسود بين النائبتين، بعث الاعتراض لسبب شكلي، رسائل سلبية، اتضح معها أن حجم الخلافات التي أفضت إلى قرار منيب ترشح حزبها وحيدا في الانتخابات، مازالت مستمرة، رغم الأضرار السياسية التي خلفتها عليهما معا، كما أظهرت غياب أي أفق لعودة حزب منيب إلى الفيدرالية.
وبغض النظر عما يمكن أن تثيره هذه الخلافات، يبقى حضور النائبتين معا تجسيد لخطاب يساري مدافع عن الدولة الاجتماعية وعن الحقوق والحريات والمساواة، الأمر الذي سيضمن تقاطبات واضحة في المشهد السياسي، بين حكومة تطغى عليها صبغة الليبرالية والمحافظة، ومعارضة يسارية بشتى تشكيلاتها.
منيب المهاجمة
في أول ظهور لها بقبة البرلمان، التي فشلت في الوصول إليها سنة 2016، استعرضت نبيلة منيب أغلب النقاط المشكلة للمشروع السياسي لحزبها، في سياق انتقادها العرض الحكومي الذي قدمه عزيز أخنوش، وعمدت تذكيره بحملة المقاطعة التي استهدفت منتوج إحدى شركاته، وبباقي الأشكال الاحتجاجية التي عرفها المغرب.
في غضون ذلك، استغلت منيب أول فرصة، ولم تتوان في مهاجمة حزب رئيس الحكومة، عبر دعوتها لتقييم الانتخابات، التي قالت تم خلالها استعمال المال والأعيان في استمالة الأصوات، داعية في كلمتها إلى التخلص مما سمّته “السلطة ما فوق الوطنية” الممثلة بحسبها في الدوائر الرأسمالية، التي تُركع البلاد تحت ثقل المديونية، عبر إقرار مشروع مجتمعي حداثي ديمقراطي.
ولم تتخل منيب عن قاموسها، بل اعتمدته وهي تناقش البرنامج الحكومي، وقالت إن المغرب يعرف ديمقراطية الواجهة، وضرب الحريات، إضافة إلى الفساد المُمأسس وسيادة الانتهازية واستغلال مؤسسات الدولة في الاغتناء غير المشروع، مؤكدة في المقابل على ضرورة خلق شروط انفتاح سياسي، ينطلق من إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم معتقلي الحراك الشعبي بالريف ورفع التضييق على الصحافيين.
التامني تثير تناقضات أخنوش
بدورها انتقدت فاطمة، التامني النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، تغييب وزارة حقوق الإنسان من الحكومة الجديدة، مسجلة أن ذلك يعد إشارة سلبية، مع ملاحظتها عدم تنفيذ التوصيات الخاصة باتفاقيات حقوق الإنسان، واستمرار انتهاكها والتضييق على الحريات، مجددة مطلب خلق انفراج سياسي من خلال إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي.
وانتقدت التامني حديث أخنوش عن الدولة الاجتماعية، معتبرة أنها رؤية وتصور فكري وسياسي واقتصادي واجتماعي، مدخله الأساسي التوزيع العادل للثروة بين الجهات والشرائح الاجتماعية، التي تتطلب القطع مع منظومة الريع والفساد.
وقالت التامني إن البرنامج الحكومي المعروض من طرف رئيس الحكومة، تضمن أهدافا متناقضة، خصوصا في مستوى خلق مليون منصب شغل، التي قالت إنها ستبقى حبرا على ورق، ما لم يتم تحديد آليات تنزيل ذلك، إضافة إلى أن الهدف يتناقض مع نسبة النمو، التي حددها البرنامج الحكومي في 4 في المائة، والتي لن تكون كافية لخلق عدد المناصب المذكورة.
كما طالبت النائبة البرلمانية ذاتها، بتوفير حقوق للطبقة المتوسطة، إضافة إلى الطبقة الهشة في العالم القروي، مطالبة بعدم ضرب القدرة الشرائية للمواطنين عبر رفع الدعم العمومي عم المواد الاستهلاكية الأساسية، مثيرة كذلك تغييب البرنامج الحكومي hلمساواة الفعلية بين الجنسين.
المعارضة اليسارية
يبقى حضور النائبتين معا داخل البرلمان رمزيا، باستحضار باقي الأحزاب السياسية ذات المرجعية اليسارية، على رأسها حزب الاتحاد الاشتراكي الذي راهن على دخول الحكومة، قبل أن يتم استبعاده في اللحظات الأخيرة، ما سيجعله متعطشا لمعارضة حكومة أخنوش، وذلك ما اتضح منذ أول مناقشة، إلى جانب حزب التقدم والاشتراكية الذي لم يتلق عرضا للمشاركة في الحكومة، ويتوقع أن يكون له حضور داخل المعارضة البرلمانية، لاسيما أن الحزب حافظ على انتقاداته حزب أخنوش خلال الحملة الانتخابية، وحتى بعد ظهور نتائج الانتخابات.
ويعدّ حضور الأحزاب اليسارية في المعارضة الحكومية، نقطة مساعدة لفاطمة التامني ونبيلة منيب، خصوصا في حال وجود تنسيق بين فرق المعارضة، لمواجهة الأغلبية المطلقة لأخنوش، التي يتخوف البعض من تشكيلها هيمنة سياسية على المشهد السياسي.
عودة الفيدرالية؟
رغم الشرخ الكبير والواضح الذي وضع فيدرالية اليسار الاشتراكي وحزب الاشتراكي الموحد على سكتين، يبقى تواجدهما بالبرلمان طيلة هذه الولاية مدخلا لمراجعة الخلافات، كما أن الخمس السنوات المتبقية للانتخابات المقبلة، قد تنتج تقاربا في المواقف والتصورات بين النائبتين ومن ثم بين الفيدرالية وحزب منيب.
وبعيدا عن تبادل الاتهامات بين أعضاء الحزبين والخلافات المستعصية بينهما، إلا أن التحليل المتقارب، والمواقف المشتركة تجاه الحكومة، ستوحد موضوعيا بين النائبتين البرلمانيتين، ما سيجعل من إثارة الخلافات بينهما أمرا متجاوزا، خصوصا أنه لن يضيف للمشهد البرلماني أي ظهور إيجابي.
وأمام هذا الوضع التي يسود فيه التباعد، وكذا البداية المتعثرة داخل قبة البرلمان من طرف النائبتين البرلمانيتين اليساريتين، يُطرح السؤال حول مدى قدرة التحالف والحزب على العودة إلى طاولة النقاش والتوصل إلى حلول جدّية لمشاكل اليسار.