أزمة المغرب وروسيا.. هل تنحاز موسكو للجزائر؟

بسبب كسر المغرب الهيمنة الجزائرية الروسية على السوق الأوروبية

طفت على العلاقات المغربية الروسية، مستجدات متسارعة، تعكس أزمة صامتة بين البلدين. ورغم أن الأزمة الدبلوماسية لم تكتس الطابع الرسمي، إلا أن مؤشرات عدّة، تدل على أن العلاقات بين الرباط وموسكو، تمرّ من امتحان صعب، تطبعه تشنجات متزامنة مع تصعيد غير مسبوق للنظام الجزائري ضد المغرب، ما يطرح تساؤلات حول مدى انحياز روسيا لنظام “الجنرالات”.

مؤشرات متتالية

توالت مؤشرات حدوث تغيّرات في العلاقة بين روسيا الاتحادية والمملكة المغربية، آخرها مسارعة روسيا إلى إجلاء مواطنيها من المغرب عبر رحلات خاصة، وإجلاء المغاربة المقيمين بروسيا، في وقت سبق للمغرب أن أعلن تعليق الرحلات بين البلدين، بسبب تصاعد حالات الإصابة بفيروس كورونا.

وبالموازاة مع ذلك، كشفت السفارة الروسية في مصر، في مراسلة إلى الجامعة العربية، تأجيل الدورة السادسة لمنتدى التعاون الروسي العربي، التي كان عقدها مقررا في الـ 28 من أكتوبر الجاري بالمغرب، مرجعة الأسباب إلى تغييرات في جدول أعمال سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، ناجمة عن تغيرات في جدول أعمال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وبينما توالت المؤشرات، من إعلان المغرب تعليق الرحلات الجوية، إلى تأجيل دورة منتدى التعاون الروسي العربي، وصولا إلى إجلاء المواطنين من البلدين، تراجعت قوة المبررات الرسمية المعلنة، لتنكشف خيوط أزمة دبلوماسية بين البلدين، يعتبر التصعيد الجزائري الأخير، جزءا من الوقود الذي يغديها.

خلفيات أزمة صامتة

في الوقت الذي تفجرت فيه الأزمة بين المغرب وكل من اسبانيا وألمانيا، اختلفت طرق تدبير الأزمة الناشئة مع دولة روسيا، إذ هناك تكتم كبير حول تطوراتها، في وقت تؤكد مصادر أن العلاقات تمرّ من تشنج في المرحلة الأخيرة، غير مستبعدة ارتباط الموضوع بتطورات ملف الصحراء المغربية، والتصعيد الأخير الذي أعلنته الجزائر تجاه المغرب.

ويتضح أن رغبة المغرب في حسم علاقاته الخارجية، خصوصا مع الدول الكبرى، التي تحظى بعضوية دائمة في مجلس الأمن، جعل بعض التشنج يطفو على علاقاته مع روسيا. فهذه الأخيرة تبدي تقاربا أكبر مع الجزائر، لاسيما أن السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري، كان قد اغتنم فرصة لقاء نظم بروسيا، لتوجيه تهديدات مباشرة للمغرب، ما يفيد وجود ضوء أخضر من حليفتها الكبرى.

ورغم نهج المغرب المتوازن في العلاقات الخارجية، الذي جعله ينفتح على روسيا والصين بشكل ملفت، إلا أن تقاربه الكبير مع دول أمريكا وإسرائيل وبريطانيا، تضعه في تناقض مع منافسي الحلف الأمريكي، وعلى رأسهم دولة روسيا، التي تتخذ من الجزائر حليفا مهما لـ “شرعنة” تواجدها في القارة السمراء.

ومن الواضح أن روسيا باتت متوجسة من اكتساب المغرب رفقة حلفائه مكانة أكبر في القارة الأفريقية، خصوصا بعد التقدم الحاصل في تدبيره ملف الصحراء المغربية، وحصيلته الدبلوماسية المتقدمة، منذ إغلاق الجيش المغربي ثغرة الكركرات في وجه الانفصاليين، وهي النقطة التي أثارت حفيظة النظام الجزائري، الذي يعد المتحكم الأبرز في الجبهة الانفصالية.

تصعيد جزائري

من مداخل فهم التطورات الأخيرة في العلاقات المغربية الروسية، التصعيد الخطير الذي ينتهجه النظام العسكري الجزائري تجاه المغرب، مسنودا في ذلك بحليفه الروسي. ويتبين ذلك من حجم الاتهامات التي تم إطلاقها ضد المغرب، من افتعال الحرائق إلى دعم حركات بالجزائر، والقول بوجود أيادي مغربية إسرائيلية أنشأت خلية إرهابية بالجزائر، وصولا إلى الحديث عن عمل إرهابي استهدف جنودا جزائريين على الحدود المغربية الجزائرية.

ورغم اعتماد المغرب ثباتا أكبرا في تصريحاته الخارجية، إلا أن نظام “الجنرالات” بالجزائر، بات يفتعل مسببات استمرار الأزمة مع المغرب، بحثا عن التنفيس على أزمته الداخلية، وسعيا إلى مكاسب أكبر فيما يخص الصراع الدائر بالأقاليم الجنوبية المغربية.

ولعل عدم وضوح الموقف الروسي من التحركات الجزائرية الأخيرة، من بين دوافع التشنج الأخير بين المغرب وروسيا، لاسيما أن المصالح المشتركة، باتت توحد الجزائر وروسيا، أهمها ما يتعلق بتزويد أوروبا بالغاز، إذ يسعى المغرب إلى كسر الهيمنة الجزائرية الروسية على السوق الأوروبية، من خلال مشروع أنبوب الغاز النيجيري.

ويتضح أن ملامح تحالفات دولية، باتت تتشكل في المرحلة الأخيرة بشمال أفريقيا، ما يفسر سعي المغرب والجزائر إلى حشد التحالفات، في ظل المؤشرات غير المطمئنة التي يبعثها النظام الجزائري، رغم اليد المغربية الممدودة لطي صفحة الخلاف، ودخول مرحلة البناء المشترك لصالح الشعبين.

نسف التقارب المغربي الروسي

بينما أحرزت الزيارة الملكية إلى روسيا الاتحادية سنة 2016 تقدما كبيرا في العلاقات، وما وازاها من توقيع اتفاقيات مهمة في مجالات متعددة، عكست انفتاحا مغربيا على تنويع الشراكات الدولية، بما فيها التقارب مع روسيا، إلا أن المتغيرات الأخيرة تهدد بنسف هذه الجهود، وإعادة العلاقات المغربية الروسية إلى نقطة الصفر.

وينتظر أن تسفر المفاوضات الجارية بين البلدين، عن وضوح أكبر فيما يتعلق بالموقف الروسي من الوحدة الترابية المغربية، في وقت يسعى فيه المغرب إلى وضوح أكبر من شركائه وحلفائه، وانتزاع مواقف مساندة لوحدته الترابية، مؤيدة لمقترح الحكم الذاتي، الذي يحظى بتأييد بلدان عظمى.

وإذا كانت المفاوضات المغربية الاسبانية أسفرت عن عودة العلاقات وشروع البلدين في إعادة الثقة بينهما، يتوقع أن تشهد العلاقات المغربية الروسية وضوحا أكبر، إما لصالح التقارب بينهما، أو في اتجاه تخلي روسيا عن مصالحها مع المغرب لفائدة شراكتها مع النظام الجزائري، الذي يعيش عزلة داخلية وخارجية.

هل تنحاز روسيا للجزائر؟

في وقت تجمعهما علاقة تحالف موروثة منذ سنوات الصراع الثنائي القطبية، الذي عرف انحياز الجزائر للمعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي ضد معسكر الولايات المتحدة وحلفائها، بحثا عن الشرعية، يرجح أن يسهم هذا الإرث في التأثير على مستقبل التحالفات بشمال أفريقيا، ما سيضع روسيا في عداء تجاه المصالح المغربية، في حال انحازت إلى الجزائر.

وفي وقت ترتفع أسهم هذه القراءة، تشير توقعات أخرى إلى احتمال وقوف روسيا الاتحادية في منتصف الطريق بين المغرب والجزائر، مع عدم الانحياز إلى أي طرف ضد الآخر، ما سيساهم في تهدئة الأوضاع، عكس ما يطمح إليه النظام العسكري الجزائري.

وأمام الوضع الحالي، يسود الترقب ما ستسفر عنه المعطيات المستقبلية، التي ستحدد الموقف الروسي من تجاذبات شمال إفريقيا، لاسيما مع خبرته لسنوات الصراعات الانفصالية وكُلفتها وتأثيرها في الاستقرار السياسي والاقتصادي للبلدان.

قد يعجبك أيضا
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.